الأمن الوقائي في الاسلام 3
صفحة 1 من اصل 1
الأمن الوقائي في الاسلام 3
قريش تساوم على التنازل عن بعض الإسلام
- قام وفد من قيادة قريش، يتكون من الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسود بن عبد المطلب، وأمية ابن خلف، قاموا بتقديم عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليعبد آلهتهم عامًا ويعبدون إلهه عامًا، فقال: (معاذ الله أن أشرك به غيره)، فأنزل الله سورة (الكافرون) (أسباب النزل للواحدي،343). وجاء وفد آخر ليقدم عرضًا آخر للتنـازل عن بعض مـا في القرآن، فطلبـوا من النبـــي صلى الله عليه وسلم أن ينـــزع مــن القـــرآن ما يغيظهم من ذم آلهتهم، فأنزل الله لهم جوابًا حاسمًا، قال تعالى: (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إليّ إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم) (يونس: 15). وفي هذا درس للدعاة بأن لا تنازل عن الإسلام، ولو كان هذا التنازل شيئًا يسيرًا، فالإسلام دعوة ربانية، ولا مجال فيها للمساومة مهما كانت الأسباب، والمبررات، قال تعال : (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون ) (البقرة : 85).
لجوء قريش إلى عروض تعجيزية
- عمدت قريش لعروض تعجيزية للضغط على قائد الدعوة، وفي حالة عدم تحققها تكون قريش قد حفظت ماء وجهها، ومما قالوا له: (يا محمد! فإن كنت غير قابل منا شيئًا مما عرضناه عليك، فإنك قد علمت أنه ليس من الناس أحد أضيق بلدًا، ولا أقل ماءً، ولا أشد عيشًا منا، فسل لنا ربك الذي بعثك بما بعثك به، فيسير عنا هذه الجبال التي ضيقت علينا، وليبسط لنا بلادنا، وليفجر لنا فيها أنهارًا كأنهار الشام والعراق، وليبعث لنا من مضى من آبائنا، وليكن فيمن يبعث لنا منهم قصي بن كلاب، فإنه شيخ صدق، فنسأله عما تقول، أحق هو أم باطل؟ فإن صدقوك وصنعت ما سألناك صدّقناك، وعرفنا به منزلتك من الله، وأنه بعثك رسولاً كما تقول). فقال لهم صلى الله عليه وسلم: (ما بهذا بُعثت إليكم، إنما جئتكم من الله بما بعثني به، وقد بلغتكم ما أُرسلتُ به إليكم، فإن تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه عليّ أصبر لأمر الله، حتى يحكم بيني وبينكم) (سعيد حوي: الرسول، ص،96، وكذلك السيرة النبوية لابن هشام،ج 1، ص: 296). قال تعالى : (ولو فتحنا عليهم بابًا من السماء فظلوا فيه يعرجون، لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون) (الحجر : 14-15). ولقد بين لهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن هذه الطلبات ليس لها صلة بما أرسل به، وأنها خروج عن "محل النزاع"، والخوض فيها مضيعة للوقت، ومنعًا لهذا الجدال كان رد الرسول صلى الله عليه وسلم واضحًا وحاسمًا : (ما بهذا بُعثت إليكم).
حصار قريش وموقف المسلمين منه
- ائتمرت قريش بينهم أن يكتبوا كتابًا يتعاقدون فيه على مقاطعــة وحصار بني هـاشــم، وبني عبـد المطلب، علـى أن لا ينكحوا إليهم ولا ينكحوهم، ولا يبيعوهم شيئًا، ولا يبتاعوا منهم، ولا يدعوا سببًا من أسباب الرزق يصـــل إليهـــم، ولا يقبلــوا منهم صلحــــًا، ولا تأخذهــم بهـم رأفــة، ولا يخالطوهم، ولا يجالسوهم، ولا يكلموهم، ولا يدخلوا بيوتهم، حتى يسلموا إليهم رسول الله للقتل، ثم تعاهدوا وتواثقوا على ذلك، ثم علقوا الصحيفة في جوف الكعبة توكيدًا على أنفسهم(السيرة النبوية لابن هشام، ج1، ص:350). اتفاقية أحكمت بنودها، ولم تدع فيها ثغرة يمكن النفاذ من خلالها، فقد وُضعت بعد مداولات ومشاورات مكثفة.
موقف المسلمين من الحصار: لم تحقق المقاطعة مع هذا الإحكام المتقن، والتنفيذ الدقيق، طوال السنوات الثلاث، الغاية التي من أجلها وضعت، وذلك لصلابة المسلمين في الحق، وعدم تنازلهم عنه مهما كانت النتائج، مما فوت على قريش الفرصة في الظفر بتسليم محمد صلى الله عليه وسلم لقتله. وقد كان للصبر والثبات الذي واجه به المسلمون الحصار، أثر عظيم في توهين المشركين، الذين بدأوا ينقسمون على أنفسهم، وشرع فريق منهم يعمل على إبطال هذه المقاطعة، ونقض الصحيفة التي حوت بنود المقاطعة الظالمة(السيرة النبوية لابن هشام، ج 1،ص:375).
- كل بلد مسلم في الأمة الإسلامية عليه أن يضع في حسبانه احتمالات الحصار والمقاطعة من أهل الباطل، فأحفاد قريش مستمرون، ويتحكمون في كثير من مقدرات الأمم الأخرى. وعلى الدعاة تهيئة أنفسهم وأتباعهم لمثل هذه الظروف، وعليهم وضع الحلول المناسبة لها، إذا حصلت، والتفكير بمقاومة الحصار بالبدائل المناسبة، كي تتمكن الأمة من الصمود في وجه أي نوع من أنواع الحصار.
جوانب الحماية والوقاية للدعوة خارج مكة
- الهجرة إلي الحبشة: لما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم ما يصيب أصحابه، قال لهم : (لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإن بها ملكًا لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق، حتى يجعل الله لكم مخرجًا مما أنتم فيه). فخرج عند ذلك المسلمون متسللين سرًا(السيرة النبوية لابن هشام، ج 1،ص:322). إن اختيار الحبشة عن سواها، إنما كان لميزات تمتاز بها، لعل من أبرزها:
1- وجود الملك العادل، الذي لا يظلم عنده أحد.. وهذا العدل بدا عندما عملت قريش على إرجاع المهاجرين، فوجدت أنها لا تستطيع ذلك دون أن يتحرى الملك في أمرهم، قبل أن يصدر حكمًا عليهم. الأمر الذي جعله يسمع حجة الخصم قبل إصدار الحكم، فلو كان الملك ظالمًا جائرًا، لظفرت قريش بما تريد.
2- أنها أرض صدق ورسالة سماوية، فهم أقرب إلى المسلمين من سواهم. فالرسالات السماوية منبعها واحد، وأصولها واحدة، وقد يسهل إقناع هؤلاء بالحق بخلاف أهل الشرك، وهو ما تم عندما تلا جعفر رضي الله عنه آيات من الذكر الحكيم على مسامع النجاشي وقساوسته، فاضت أعينهم من الدمع تأثرًا بما سمعوا: (وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا من الشاهدين * وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين * فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين) (المائدة : 83-85).
3- ثمة نقطة إستراتيجية هامة، تمثلت في معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم بما حوله من الدول والممالك، فكان يعلم عادلها من ظالمها، الأمر الذي ساعده على اختيار دار آمنة لهجرة أصحابه. وهذا ما ينبغي أن يكون عليه حال قائد الدعوة، من إلمام دقيق بما يجري حوله، حتى إذا اتخذ قرارًا، يكون القرار مبنيًا على علم سابق مدروس، فتكون غالبًا نتائجه طيبة، بخلاف ما لو بناه على عدم معرفة.
4- أما جانب الحماية في كيفية الخروج، فيتمثل في كونه تم تسللاً وخفية، كى لا تفطن له قريش فتحبطه، وكان على نطاق ضيق لم يزد على 16 فردًا (فقه السيرة، للغزالي، ص:118، وكذا السيرة النبوية لابن هشام، ج 1،ص:322). عدد لا يلفت النظر حال تسللهم فردًا أو فردين، فالركب يتوقع المطاردة والملاحقة في أي لحظة. ولعل السرية المضروبة على هذه الهجرة، فوتت على قريش العلم بها، وحين قامت في إثرهم لتلحق بهم، أخفقت في ذلك، فعندما وصلت البحر لم تجد أحدًا.
قيادة قريش تعمل على إعادة المهاجرين من الحبشة : تخيروا لهذه المهمة "عمرو بن العاص"، و"عبد الله بن أبي ربيعة"، وقيل "عمارة بن الوليد"( السيرة النبوية لابن هشام، ج 1،ص:334). ثم أرسل النجاشي إلى الصحابة، وقبل أن يحضروا اتفقوا على أن يقولوا الحق الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ممثلهم "جعفر بن أبي طالب" رضي الله عنه، فأجاب على أسئلة النجاشي وبين له الحقيقة، فرد النجاشي وفد قريش دون أن يسلمهم المهاجرين. ونستخلص أمرين هامين، هما دهاء قيادة قريش، وتفوق المهاجرين عليها. ويظهر ذلك من خلال الملاحظات التالية :
- دقة في اختيار ممثلي الوفد، فعمرو بن العاص يعد داهية من دهاة العرب، يمتاز بالذكاء، وحسن التصرف، ولا يقل عنه في ذلك عبد الله بن أبي ربيعة، فهما من أهل الرأي والمشورة في قريش. مع الاتفاق المسبق على كيفية التخاطب، وكيف يتم الحوار، فهم اختاروا أحب الهدايا للنجاشي، ثم قدموا هدايا لجميع البطارقة، وطلبوا منهم أن يشيروا على النجاشي بتسليم المهاجرين، وكان هذا الاتفاق قبل مقابلة النجاشي. كما أن تخير الوفد للألفاظ التي وُصف بها المهاجرون، بكونهم غلمان سفهاء قد فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دين الملك، إنما كان لإثارة الغضب والسخط على المهاجرين من قِبَل الملك وبطارقته، بحيث يصبحون مهيئين تمامًا لقبول طلب التسليم.
تفوق المهاجرين على مكائد قريش : وقع الاختيار على جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، ليمثل المهاجرين أمام الملك، فكان اختيارًا موفقًا، وظهر ذلك في فصاحته ولباقته، ومن خلال الحس الأمني العالي الذي امتاز به سيدنا جعفر، أثناء مخاطبته للنجاشي. فأول ما فعله جعفر، أن عدد للنجاشي عيوب الجاهلية، وعرضها بصورة تنفِّر منها السامع، وقصد بذلك تشويه صورة قريش في عين الملك، وفي ذات الوقت إبراز محاسن الإسلام، التي هي نقيض لأفعال الجاهلية، إضافة إلى ذلك، فقد نفى التهمة التي لفقتها عليهم قريش، وقد نجح أيما نجاح، بدليل أن النجاشي طلب منه أن يقرأ عليه شيئًا من القرآن، فاختار سورة مريم، الأمر الذي أثَّر على النجاشي وبطارقته.. واختيار جعفر لسورة مريم، يظهر بوضوح حكمة وذكاء مندوب المهاجرين، فسورة مريم تتحدث عن مريم وعيسى عليهما السلام ، فأثرت في النجاشي وبطارقته، حتى بكوا جميعًا. وبعد ذلك أصدر قراره في صالح المسلمين بعدم تسليمهم أبدًا. وكان هذا الرد جعل النجاشي يضرب يده بالأرض، ويأخذ عودًا، ثم يقول: (والله ما عدا عيسى ابن مريم ما قلتَ هذا العود!)، وقال لهم : (اذهبوا فأنتم شيوم -أي آمنون- بأرضي) (السيرة النبوية لابن هشام، ج 1،ص:337).
- قام وفد من قيادة قريش، يتكون من الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسود بن عبد المطلب، وأمية ابن خلف، قاموا بتقديم عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليعبد آلهتهم عامًا ويعبدون إلهه عامًا، فقال: (معاذ الله أن أشرك به غيره)، فأنزل الله سورة (الكافرون) (أسباب النزل للواحدي،343). وجاء وفد آخر ليقدم عرضًا آخر للتنـازل عن بعض مـا في القرآن، فطلبـوا من النبـــي صلى الله عليه وسلم أن ينـــزع مــن القـــرآن ما يغيظهم من ذم آلهتهم، فأنزل الله لهم جوابًا حاسمًا، قال تعالى: (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إليّ إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم) (يونس: 15). وفي هذا درس للدعاة بأن لا تنازل عن الإسلام، ولو كان هذا التنازل شيئًا يسيرًا، فالإسلام دعوة ربانية، ولا مجال فيها للمساومة مهما كانت الأسباب، والمبررات، قال تعال : (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون ) (البقرة : 85).
لجوء قريش إلى عروض تعجيزية
- عمدت قريش لعروض تعجيزية للضغط على قائد الدعوة، وفي حالة عدم تحققها تكون قريش قد حفظت ماء وجهها، ومما قالوا له: (يا محمد! فإن كنت غير قابل منا شيئًا مما عرضناه عليك، فإنك قد علمت أنه ليس من الناس أحد أضيق بلدًا، ولا أقل ماءً، ولا أشد عيشًا منا، فسل لنا ربك الذي بعثك بما بعثك به، فيسير عنا هذه الجبال التي ضيقت علينا، وليبسط لنا بلادنا، وليفجر لنا فيها أنهارًا كأنهار الشام والعراق، وليبعث لنا من مضى من آبائنا، وليكن فيمن يبعث لنا منهم قصي بن كلاب، فإنه شيخ صدق، فنسأله عما تقول، أحق هو أم باطل؟ فإن صدقوك وصنعت ما سألناك صدّقناك، وعرفنا به منزلتك من الله، وأنه بعثك رسولاً كما تقول). فقال لهم صلى الله عليه وسلم: (ما بهذا بُعثت إليكم، إنما جئتكم من الله بما بعثني به، وقد بلغتكم ما أُرسلتُ به إليكم، فإن تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه عليّ أصبر لأمر الله، حتى يحكم بيني وبينكم) (سعيد حوي: الرسول، ص،96، وكذلك السيرة النبوية لابن هشام،ج 1، ص: 296). قال تعالى : (ولو فتحنا عليهم بابًا من السماء فظلوا فيه يعرجون، لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون) (الحجر : 14-15). ولقد بين لهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن هذه الطلبات ليس لها صلة بما أرسل به، وأنها خروج عن "محل النزاع"، والخوض فيها مضيعة للوقت، ومنعًا لهذا الجدال كان رد الرسول صلى الله عليه وسلم واضحًا وحاسمًا : (ما بهذا بُعثت إليكم).
حصار قريش وموقف المسلمين منه
- ائتمرت قريش بينهم أن يكتبوا كتابًا يتعاقدون فيه على مقاطعــة وحصار بني هـاشــم، وبني عبـد المطلب، علـى أن لا ينكحوا إليهم ولا ينكحوهم، ولا يبيعوهم شيئًا، ولا يبتاعوا منهم، ولا يدعوا سببًا من أسباب الرزق يصـــل إليهـــم، ولا يقبلــوا منهم صلحــــًا، ولا تأخذهــم بهـم رأفــة، ولا يخالطوهم، ولا يجالسوهم، ولا يكلموهم، ولا يدخلوا بيوتهم، حتى يسلموا إليهم رسول الله للقتل، ثم تعاهدوا وتواثقوا على ذلك، ثم علقوا الصحيفة في جوف الكعبة توكيدًا على أنفسهم(السيرة النبوية لابن هشام، ج1، ص:350). اتفاقية أحكمت بنودها، ولم تدع فيها ثغرة يمكن النفاذ من خلالها، فقد وُضعت بعد مداولات ومشاورات مكثفة.
موقف المسلمين من الحصار: لم تحقق المقاطعة مع هذا الإحكام المتقن، والتنفيذ الدقيق، طوال السنوات الثلاث، الغاية التي من أجلها وضعت، وذلك لصلابة المسلمين في الحق، وعدم تنازلهم عنه مهما كانت النتائج، مما فوت على قريش الفرصة في الظفر بتسليم محمد صلى الله عليه وسلم لقتله. وقد كان للصبر والثبات الذي واجه به المسلمون الحصار، أثر عظيم في توهين المشركين، الذين بدأوا ينقسمون على أنفسهم، وشرع فريق منهم يعمل على إبطال هذه المقاطعة، ونقض الصحيفة التي حوت بنود المقاطعة الظالمة(السيرة النبوية لابن هشام، ج 1،ص:375).
- كل بلد مسلم في الأمة الإسلامية عليه أن يضع في حسبانه احتمالات الحصار والمقاطعة من أهل الباطل، فأحفاد قريش مستمرون، ويتحكمون في كثير من مقدرات الأمم الأخرى. وعلى الدعاة تهيئة أنفسهم وأتباعهم لمثل هذه الظروف، وعليهم وضع الحلول المناسبة لها، إذا حصلت، والتفكير بمقاومة الحصار بالبدائل المناسبة، كي تتمكن الأمة من الصمود في وجه أي نوع من أنواع الحصار.
جوانب الحماية والوقاية للدعوة خارج مكة
- الهجرة إلي الحبشة: لما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم ما يصيب أصحابه، قال لهم : (لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإن بها ملكًا لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق، حتى يجعل الله لكم مخرجًا مما أنتم فيه). فخرج عند ذلك المسلمون متسللين سرًا(السيرة النبوية لابن هشام، ج 1،ص:322). إن اختيار الحبشة عن سواها، إنما كان لميزات تمتاز بها، لعل من أبرزها:
1- وجود الملك العادل، الذي لا يظلم عنده أحد.. وهذا العدل بدا عندما عملت قريش على إرجاع المهاجرين، فوجدت أنها لا تستطيع ذلك دون أن يتحرى الملك في أمرهم، قبل أن يصدر حكمًا عليهم. الأمر الذي جعله يسمع حجة الخصم قبل إصدار الحكم، فلو كان الملك ظالمًا جائرًا، لظفرت قريش بما تريد.
2- أنها أرض صدق ورسالة سماوية، فهم أقرب إلى المسلمين من سواهم. فالرسالات السماوية منبعها واحد، وأصولها واحدة، وقد يسهل إقناع هؤلاء بالحق بخلاف أهل الشرك، وهو ما تم عندما تلا جعفر رضي الله عنه آيات من الذكر الحكيم على مسامع النجاشي وقساوسته، فاضت أعينهم من الدمع تأثرًا بما سمعوا: (وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا من الشاهدين * وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين * فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين) (المائدة : 83-85).
3- ثمة نقطة إستراتيجية هامة، تمثلت في معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم بما حوله من الدول والممالك، فكان يعلم عادلها من ظالمها، الأمر الذي ساعده على اختيار دار آمنة لهجرة أصحابه. وهذا ما ينبغي أن يكون عليه حال قائد الدعوة، من إلمام دقيق بما يجري حوله، حتى إذا اتخذ قرارًا، يكون القرار مبنيًا على علم سابق مدروس، فتكون غالبًا نتائجه طيبة، بخلاف ما لو بناه على عدم معرفة.
4- أما جانب الحماية في كيفية الخروج، فيتمثل في كونه تم تسللاً وخفية، كى لا تفطن له قريش فتحبطه، وكان على نطاق ضيق لم يزد على 16 فردًا (فقه السيرة، للغزالي، ص:118، وكذا السيرة النبوية لابن هشام، ج 1،ص:322). عدد لا يلفت النظر حال تسللهم فردًا أو فردين، فالركب يتوقع المطاردة والملاحقة في أي لحظة. ولعل السرية المضروبة على هذه الهجرة، فوتت على قريش العلم بها، وحين قامت في إثرهم لتلحق بهم، أخفقت في ذلك، فعندما وصلت البحر لم تجد أحدًا.
قيادة قريش تعمل على إعادة المهاجرين من الحبشة : تخيروا لهذه المهمة "عمرو بن العاص"، و"عبد الله بن أبي ربيعة"، وقيل "عمارة بن الوليد"( السيرة النبوية لابن هشام، ج 1،ص:334). ثم أرسل النجاشي إلى الصحابة، وقبل أن يحضروا اتفقوا على أن يقولوا الحق الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ممثلهم "جعفر بن أبي طالب" رضي الله عنه، فأجاب على أسئلة النجاشي وبين له الحقيقة، فرد النجاشي وفد قريش دون أن يسلمهم المهاجرين. ونستخلص أمرين هامين، هما دهاء قيادة قريش، وتفوق المهاجرين عليها. ويظهر ذلك من خلال الملاحظات التالية :
- دقة في اختيار ممثلي الوفد، فعمرو بن العاص يعد داهية من دهاة العرب، يمتاز بالذكاء، وحسن التصرف، ولا يقل عنه في ذلك عبد الله بن أبي ربيعة، فهما من أهل الرأي والمشورة في قريش. مع الاتفاق المسبق على كيفية التخاطب، وكيف يتم الحوار، فهم اختاروا أحب الهدايا للنجاشي، ثم قدموا هدايا لجميع البطارقة، وطلبوا منهم أن يشيروا على النجاشي بتسليم المهاجرين، وكان هذا الاتفاق قبل مقابلة النجاشي. كما أن تخير الوفد للألفاظ التي وُصف بها المهاجرون، بكونهم غلمان سفهاء قد فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دين الملك، إنما كان لإثارة الغضب والسخط على المهاجرين من قِبَل الملك وبطارقته، بحيث يصبحون مهيئين تمامًا لقبول طلب التسليم.
تفوق المهاجرين على مكائد قريش : وقع الاختيار على جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، ليمثل المهاجرين أمام الملك، فكان اختيارًا موفقًا، وظهر ذلك في فصاحته ولباقته، ومن خلال الحس الأمني العالي الذي امتاز به سيدنا جعفر، أثناء مخاطبته للنجاشي. فأول ما فعله جعفر، أن عدد للنجاشي عيوب الجاهلية، وعرضها بصورة تنفِّر منها السامع، وقصد بذلك تشويه صورة قريش في عين الملك، وفي ذات الوقت إبراز محاسن الإسلام، التي هي نقيض لأفعال الجاهلية، إضافة إلى ذلك، فقد نفى التهمة التي لفقتها عليهم قريش، وقد نجح أيما نجاح، بدليل أن النجاشي طلب منه أن يقرأ عليه شيئًا من القرآن، فاختار سورة مريم، الأمر الذي أثَّر على النجاشي وبطارقته.. واختيار جعفر لسورة مريم، يظهر بوضوح حكمة وذكاء مندوب المهاجرين، فسورة مريم تتحدث عن مريم وعيسى عليهما السلام ، فأثرت في النجاشي وبطارقته، حتى بكوا جميعًا. وبعد ذلك أصدر قراره في صالح المسلمين بعدم تسليمهم أبدًا. وكان هذا الرد جعل النجاشي يضرب يده بالأرض، ويأخذ عودًا، ثم يقول: (والله ما عدا عيسى ابن مريم ما قلتَ هذا العود!)، وقال لهم : (اذهبوا فأنتم شيوم -أي آمنون- بأرضي) (السيرة النبوية لابن هشام، ج 1،ص:337).
مواضيع مماثلة
» الأمن الوقائي في الاسلام 1
» الأمن الوقائي في الاسلام 4
» الأمن الوقائي في الاسلام 2
» الأمن والاستخبارات
» مفهوم الأمن في المجتمع المسلم
» الأمن الوقائي في الاسلام 4
» الأمن الوقائي في الاسلام 2
» الأمن والاستخبارات
» مفهوم الأمن في المجتمع المسلم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى